فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختار أبو حيان أن {كأين} كلمة بسيطة- غير مركبة- وأن آخرها نون- هي من نفس الكلمة- لا تنوين؛ لأن هذه الدعاوى المتقدمة لا يقوم عليها دليل، وهذه طريق سهلة، والنحويون ذكروا هذه الأشياء؛ محافظةً على أصولهم، مع ما ينضم إلى ذلك من الفوائد، وتمرين الذهن. هذا ما يتعلق بها من حيث التركيب، فموضعها رفع بالابتداء، وفي خبرها أربعة أوجه:
أحدها: أنه {قاتل} فإن فيه ضميرًا مرفوعًا به، يعود على المبتدأ، والتقدير: كثير من الأنبياء قاتل.
قال أبو البقاء: والجيد أن يعود الضمير على لفظ {كأين}، كما تقول: مائة نبي قُتِل، فالضمير للمائة؛ إذ هي المبتدأ.
فإن قيل: لو كان كذلك لأنثت، فقلت: قُتِلَتْ؟
قيل: هذا محمول على المعنى؛ لأن التقدير: كثير من الرجال قُتِل.
كأنه يعني بغير الجيد عوده على لفظ {نَبِيّ}، فعلى هذا جملة {مَعَهُ رِبِّيُّونَ} جملة في محل نصب على الحال من الضمير في {قُتِل}.
ويجوز أن يرتفع {ربيون} على الفاعلية بالظرف، ويكون الظرف هو الواقع حالًا، التقدير: استقر معه ربيون.
وهو أولى؛ لأنه من قبيل المفردات، وأصل الحال والخبر والصفة أن تكون مفردة.
ويجوز أن يكون {مَعَهُ}- وحده- هو الحال، و{رِبِّيُّونَ} فاعل به، ولا يحتاج- هنا- إلى واو الحال؛ لأن الضمير هو الرابط- أعني: الضمير في {مَعَهُ}.
ويجوز أن يكون حالًا من {نَبِيّ}- وإن كان نكرة- لتخصيصه بالصفة حينئذ؛ ذكره مكي. وعمل الظرف- هنا- لاعتماده على ذي الحال.
قال أبو حيان: وهي حال محكية، فلذلك ارتفع {ربيون} بالظرف- وإن كان العامل ماضيًا، لأنه حكى الحال الماضية، كقوله: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} [الكهف: 18]، وذلك على مذهب البصريين، وأما الكسائي فيعمل اسم الفاعل العاري من أل مطلقًا.
وفيه نظر؛ لأنا لا نسلم أن الظرف يتعلق باسم فاعل، حتى يلزم عليه ما قال من تأويله اسم الفاعل بحال ماضية، بل يدعى تعلُّقه بفعل، تقديره: استقر معه ربيون.
الوجه الثاني: أن يكون {قَاتَلَ} جملة في محل جر؛ صفة لِـ {نَبِيّ}، و{مَعَهُ رِبِّيُّونَ} هو الخبر، لكن الوجهان المتقدمان في جعله حالًا- أعني: إن شئت أن تجعل {مَعَهُ} خبرًا مقدمًا، و{ربِّيُّونَ} مبتدأ مرخرًا، والجملة خبر {كَأيِّنْ}، وأن تجعل {مَعَهُ}- وحده- هو الخبر، و{ربِّيُّونَ} فاعل به؛ لاعتماد الظرف على ذي خبر.
الوجه الثالث: أن يكون الخبر محذوفًا، تقديره: في الدنيا، أو مضى، أو: صابر، وعلى هذا، فقوله: {قَاتَلَ} في محل جر؛ صفة لِـ {نَبِيٍّ}، و{مَعَهُ ربِّيُّونَ} حال من الضمير في {قَاتَلَ}- على ما تقدم تقريره- ويجوز أن يكون {مَعَهُ ربِّيُّونَ} صفة ثانية لـ {نَبِيٍّ}، وُصِف بصفتين: بكونه قاتل، وبكونه معه ربيون.
الوجه الرابع: أن يكون {قَاتَلَ} فارغًا من الضمير، مسندًا إلى {رِبِّيُّونَ} وفي هذه الجملة- حينئذ- احتمالان:
أحدهما: أن تكون خبرًا لـ {كأيِّنْ}.
الثاني: أن تكون في محل جر لـ {نَبِيٍّ} والخبر محذوف- على ما تقدم- وادِّعَاء حذف الخبر ضعيف لاستقلال الكلام بدونه.
وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون {قَاتَلَ} مسندًا لِـ {رِبِّيُّونَ}، فلا ضمير فيه على هذا، والجملة صفة {نَبِيٍّ}.
ويجوز أن يكون خبرًا، فيصير في الخبر أربعة أوجه، ويجوز أن يكون صفةً لِـ {نَبِيٍّ} والخبر محذوف على ما ذكرنا.
وقوله: صفة لـ {رَبِّيُّونَ} يعني: أن القتل من صفتهم في المعنى، وقوله: فيصير في الخبر أربعة أوجه يعني: ما تقدم له من أوجه ذكرها، وقوله: فلا ضمير فيه- على هذا- والجملة صفة {نبي} غلط؛ لأنه يبقى المبتدأ بلا خبرٍ.
فإن قلتَ: إنما يزعم هذا لأنه يقدر خبرًا محذوفًا؟
قلت: قد ذكر أوجهًا أخَر؛ حيثُ قال: ويجوز أن تكون صفة لـ {نَبِيٍّ} والخبرُ محذوفٌ- على ما ذكرنا.
ورجَّح كونَ قَاتَلَ مسندًا إلى ضمير النبي أن القصة بسبب غزوةِ أحُدٍ، وتخاذل المؤمنين حين قيل: إن محمدًا قد ماتَ مقتولًا؛ ويؤيدُ هذا الترجيح قوله: {أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران: 144] وإليه ذهب ابنُ عباسٍ والطبريُّ وجماعة.
وعن ابن عباسٍ- في قوله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: 161]- قال: النبي يُقتل فكيف لا يُخَان؟
وذهب الحسنُ وابن جُبَيرٍ وجماعة إلى أن القتلَ للرِّبِّيِّينَ، قالوا: لأنه لم يُقْتَل نبيٌّ في حَرْب قط ونصر الزمخشري هذا بقراءة قُتِّل- بالتشديد- يعني أنّ التكثيرَ لا يتأتى في الواحد- وهو النبي- وهذا- الذي ذكره الزمخشريُّ- سبقه إليه ابنُ جني- وسيأتي تأويله-.
وقرأ ابن كثيرٍ، ونافع، وأبو عمرو: قُتِل- مبنيًا للمفعول- وقتادة كذلك، إلا أنه شدد التاء، وباقي السبعة: قاتل، وكل من هذه الأفعال يصلح أن يرفع ضمير {نَبِيّ} وأن يرفع {رِبِّيُّونَ}- كما تقدم تفصيلُهُ-.
وقال ابنُ جني: إنَّ قراءة: قُتّل- بالتَّشْديد- يتعين أن يسند الفعل فيها إلى الظاهر- أعني: {رِبِّيُّونَ}- قال: لأنَّ الواحدَ لا تكثير فيه.
قال أبو البقاء: ولا يمتنع أن يكون فيه ضمير الأول؛ لأنه في معنى الجماعةِ.
يعني أن {مِنْ نَبِيٍّ} المراد به الجنس، فالتكثير بالنسبة لكثرة الأشخاص؛ لا بالنسبة إلى كل فَرْد؛ إذ القتل لا يتكثر في كلِّ فردٍ.
وهذا الجوابُ- الذي أجابَ به أبو البقاءِ- استشعر به أبو الفتحِ، وأجاب عنه، قَالَ: فإن قيل: فهلاَّ جاز فُعِّل؛ حَمْلًا على معنى كم؟
فالجواب: أن اللفظ قد مشى على جهة الإفراد في قوله: {مِنْ نَبِيٍّ} ودلَّ الضمير المفرد {مَعَهُ} على أن المراد إنما هو التمثيلُ بواحدٍ واحدٍ، فخرج الكلامُ على معنى كم. قال: في هذه القراءةِ دلالةٌ على أنَّ من قرأ من السَّبْعَةِ {قُتِلَ} أو {قَاتَل مَعَهُ رِبِّيُّونَ} فإن {ربِّيُّونَ} مرفوعٌ في قراءته بـ {قُتِل} أو {قَاتَل} وليس مرفوعًا بالابتداء، ولا بالظرف، الذي هو {مَعَه}.
قال أبو حيّان: وليس بظاهر؛ لأن {كأين} مثل كم وأنتَ خبيرٌ إذا قلتَ: كم من عانٍ فككته، فأفردت، راعيت لفظ كم ومعناها جمع، فإذا قلت: فككتهم، راعيت المعنى، وليس معنى مراعاة اللفظ إلا أنك أفردت الضمير، والمراد به الجمع. فلا فرق من حيثُ المعنى- بين فككته وفككتهم، كذلك لا فرق بين قتل معه ربيون، وقتل معهم ربيون، وإنما جاز مراعاة اللفظ تارةً، ومراعاة المعنى تارة؛ لأن مدلول كم وكأين كثير، والمعنى: جمع كثير، وإذا أخبرت عن جمع كثيرٍ فتارةً تفرد؛ مراعاةً للفظ، وتارة تجمع؛ مراعاة للمعنى، كما قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر} [القمر: 44 و45]، فقال: مُنْتَصِر وقال: {وَيُوَلُّونَ} فأفرد في مُنْتَصِرٌ وجمع في {يُوَلُّونَ}.
ورجح بعضهم قراءة {قَاتَلَ} لقوله- بعد ذلك-: {فَمَا وَهَنُواْ} قال: وإذا قتلوا، فكيف يوصفون بذلك؟ إنما يوصف بهذا الأحياء؟
والجوابُ: أن معناه: قتل بعضهم، كما تقول: قُتِلَ بنو فلانٍ في وقعة كذا، ثم انصرفوا.
وقال ابن عطية: قراءة من قَرَأ {قَاتَلَ} أعم في المدْحِ؛ لأنه يدخل فيها من قتل ومن بقي، ويحسن عندي- على هذه القراءة- إسنادُ الفعل إلى الربيين، وعلى قراءة: قتل- إسناده إلى {نبي}.
قال أبو حيّان: {قتل} يظهر أنها مدح، وهي أبلغ في مقصود الخطاب؛ لأنها نَصٌّ في وقوع القتل، ويستلزم المقاتلة. و{قَاتَل} لا تدلُّ على القتل؛ إذ لا يلزم من المقاتلة وجود القتل؛ فقد تكون مقاتلة ولا يقع قتل.
قوله: {مِّن نَّبِيٍّ} تمييز لـ {كَأيِّنْ} لأنها مثل كم الخبرية.
وزعم بعضهم أنه يلزم جره بـ {من} ولهذا لم يجئ في التنزيل إلا كذلك، وهذا هو الأكثرُ الغالب. قال وقد جاء تمييزُها منصوبًا، قال الشاعرُ: [الخفيف]
أطْرُدِ الْيَأسَ بِالرَّجَاءِ فَكَائِن ** آلِمًا حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرِ

وقال آخر: [الطويل]
فَكَائِنْ لَنَا فَضْلًا عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةً ** قَدِيمًا، وَلاَ تَدْرُونَ مَا مَنُّ مُنْعِمِ

وأما جره فممتنع؛ لأن آخرَها تنوين، وهو لا يثبت مع الإضافة.
و{ربيون}: جمع رِبِّيّ، وهو العالم، منسوب إلى الرَّبّ، وإنما كُسِرت راؤه؛ تغييرًا في النسب، نحو: إمْسِيّ- في النسبة إلى أمس- وقيل: كُسِر للإتباع.
وقيل: لا تغيير فيه، وهو منسوب إلى الرُّبة- وهي الجماعة- وقرأ الجمهور بكسر الرَّاءِ، وقرأ عليّ، وابنُ مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، والحسنُ {رُبِّيُّونَ}- بضم الراء- وهو من تغيير النسبِ، إذا قلنا: هو منسوب إلى الربِّ، وقيل: لا تغيير، وهو منسوب إلى الربة، وهي الجماعة.
قال القرطبيُّ واحدهم ربِّيّ- بكسر الراء وضمها.
وقرأ ابنُ عباسٍ- في رواية قتادة- رَبِّيُّونَ، بفتحها على الأصل، إن قلنا: منسوب إلى الرَّبِّ، وإلا فمن تغيير النسب، إن قلنا: أنه منسوب إلى الربة.
قال ابن جني: والفتح لغة تميم.
وقال النقاشُ: هم المكثرون العلم من قولهم: رَبَ الشيء يربو- إذا كَثر- وهذا سَهْوٌ منه؛ لاختلاف المادتين؛ لأن تلك من راء وياء وواو، وهذه من راء وباء مكررة. قال ابن عبَّاسٍ ومجاهدٌ وقتادةُ: الجماعات الكثيرة وقال ابنُ مسعودٍ: والربيون: الألوف.
وقال الكلبيّ: الرِّبِّيَّة الواحدة: عشرة آلاف.
وقال الضَّحَّاك: الرَّبِّيَّة الواحدة ألف، وقال الحسنُ: رِبِّيُّون: فُقَهاء وعُلَماء.
وقيل: هم الأتباع، فالربانيون: الولاة، والربانيون: الرعية. وحكى الواحديُّ- عن الفرّاءِ- الربانيون: الألوف.
قوله: {كَثِيرٌ} صفة لِـ {رِبِّيُّونَ} وإن كان بلفظ الإفرادِ؛ لأن معناه الجمع.
والجمهورُ على {وهَنُوا}- بفتح الهاء- والأعمش وأبو السَّمَّال بكسرها، وهما لغتانِ: وَهَنَ يَهِنُ- كَوَعَدَ يَعِدُ- وَوَهَنَ يَوْهَنُ- كوَجَلَ يَوْجَلُ- وروي عن أبي السَّمَّال- أيضا- وعِكْرمة: وهْنوا- بسكون الهاء- وهو من تخفيف فَعَل؛ لأنه حرف حلق، نحو نعم وشَهْد- في نَعِم وشَهِد-.
قال القرطبيُّ:- عن أبي زيد-: وَهِنَ الشيء يَهِنُ وَهْنًا، وأوْهنته أنا ووهَّنْتُه: ضعَّفته، والواهنة: أسفل الأضلاع وقصارَاها، والوَهْن من الإبل: الكثيف، والوَهْن: ساعة تمضي من الليل، وكذلك المَوْهِن، وأوهَنَّا: صِرْنا في تلك الساعة.
و{لِمَا أَصَابَهُمْ} متعلق بـ {وَهَنُوا} وما يجوز أن تكون موصولة اسمية، أو مصدرية، أو نكرة موصوفة.
وقرأ الجمهور {وَمَا ضَعُفُواْ}- بضم العين- وقرئ: ضَعَفُوا- بفتحها- وحكاها الكسائي لغة.
قوله: {وَمَا استكانوا} فيه ثلاثةُ أقوالٍ:
أحدها: أنه استفعل من الكَوْن- والكَوْن: الذُّلّ- وأصله: استكون، فنُقِلَتْ حركة الواو على الكافِ، ثم قُلِبَت الواو ألفًا.
وقال الأزهريُّ وأبو علي: هو من قول العربِ: بَاتَ فُلان بكَيْنَةِ سوء- على وزن جَفْنَة- أي: بحالة سوء، فألفه- على هذا من ياء، والأصل: استكْيَن، ففُعِل بالياء ما فُعِل بأختها. وهو القول الثاني.
الثالث: قال الفرّاء: وزنة افتعل من السكون، وإنما أُشْبِعَت الفتحة، فتولَّد منها ألف.
كقول الشاعر: [الرجز]
أعُوذُ باللهِ مِنَ الْعَقْرَابِ ** الشَّائِلاَتِ عُقَدِ الأذْنَابِ

يريد: العقرب الشائلة.
ورُدَّ على الفرّاء بأن هذه الألف ثابتة في جميع تصاريف الكلمةِ، نحو: استكان، يستكين، فهو مستكينٌ ومُستكان إليه استكانةً. وبأنَّ الإشباعَ لا يكون إلا في ضرورةٍ.
وكلاهما لا يلزمه؛ أما الإشباع فواقع في القراءات- السبع- كما سيأتي-.
وأما ثبوت الألف في تصاريف الكلمةِ فلا يدلُّ- أيضا- لأن الزائدَ قد يَلْزَم؛ ألا ترى أنَّ الميم- في تَمَنْدَل وتَمَدْرَع- زائدة، ومع ذلك ثابتة في جميع تصاريفِ الكلمة، قالوا: تَمَنْدَلَ، يَتَمَنْدَلُ، تَمَنْدُلًا، فهو مُتَمَنْدِل، ومُتَمَنْدَل به. وكذلك تَمَدْرَع، وهما من الندل والدرع.
وعبارة أبي البقاءِ أحسن في الرَّدِّ؛ فإنه قال: لأن الكلمة ثبتت عينها في جميع تصاريفها تقول: استكان، يستكين، استكانة، فهو مستكين، ومُسْتكان له والإشباع لا يكون على هذا الحد.
ولم يذكر متعلق الاستكانة والضعف- فلم يَقُلْ: فما ضَعُفُوا عن كذا، وما استكانوا لكذا- للعلم، أو للاقتصار على الفعلين- نحو: {كُلُواْ واشربوا} [الحاقة: 24] ليعم كُلَّ ما يصلح لهما.
وقال الزمخشري: ما وَهَنُوا عند قَتْل النبيّ.
وقيل: ما وَهَنُوا لقتل من قتل منهم. اهـ. بتصرف.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قال رحمه الله:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}.
إنَّ الذين درجوا على الوفاء، وقاموا بحق الصفاء، ولم يرجعوا عن الطريق، وطالبوا نفوسهم بالتحقيق، وأخذوا عليها بالتضييق والتدقيق- وجدوا محبةَ الحقِّ سبحانه ميراثَ صبرِهم، وكان الخَلَف عنهم الحقُّ عند نهاية أمرهم، فما زاغوا عن شرط الجهد، ولا زاغوا في حفظ العهد، وسلّموا تسليمًا، وخرجوا عن الدنيا وكان كلٌّ منهم للعهد مقيمًا مستديمًا، وعلى شرط الخدمة والوداد مستقيمًا. اهـ.

.من فوائد الشنقيطي:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} الآية.
هذه الآية الكريمة على قراءة من قرأ {قَاتَلَ} بالبناء للمفعول يحتمل نائب الفاعل فيها أن يكون لفظة ربيون وعليه فليس في قتل ضمير أصلًا ويحتمل أن يكون نائب الفاعل ضميرًا عائدًا إلى النَّبي، وعليه فمعه خبر مقدم وربيون مبتدأ مؤخر سوغ الابتداء به اعتماده على الظرف قبله ووصفه بما بعده والجملة حالية والرابط الضمير وسوغ إتيان الحال من النكرة التي هي نبي وصفه بالقتل ظلمًا وهذا هو أجود الأعاريب المذكورة في الآية على هذا القول، وبهذين الاحتمالين في نائب الفاعل المذكور يظهر أن في الآية إجمالًا. والآيات القرآنية مبينة أن النَّبي المقاتل غير مغلوب بل هو غالب كما صرح تعالى بذلك في قوله: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي} [المجادلة: 21]. وقال قبل هذا: {أولئك فِي الأذلين} [المجادلة: 20] وقال بعده: {إِنَّ اللهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].